مــــــــــريـــــــــــــــم (بقلمي)
عندمالكزها أخوها تدحرجت من تحت البطانية السوداء ، كانت في أتم الاستعدادللخروج حتى شالها البني كان ملتصقا بكتفيها بحثت بعينين فيهما الكثير منالذل عن أمها كانت قد غادرت الفراش من الغرفة المقابلة، يأتيصوت أبيها مجلجلا بقراءة القرآن كم كانت تعشق هذا لصوت الذي يتخلله كسلالقجر ويشعرها بالأمان.عاد أخوها ليلكزها مرة أخرى و يخرجها..... خرجتخلفه سارت وراء هذا الحبيب الصغير الذي شاءت حكمة العقلاء أن يقودها إلىحتفها هذا الطفل الذي طالما تباهت بعينيه الخضراوين أمام قريناتها من سكانالقرية، ها هو يسير أمامها كالجبار لا يعيرها أي نظرة و كأنه يقود دابةإلى الذبح، لم تعد تنتمي إلى عالمه بعدما انتمت إلى قلبها و مشاعرها لقدحقت عليها لعنة الانتماء و لعنة العقلاء من الرجال.
البنتكالقنبلة قدرها أن تنفجر يوما و تدمر ما حولها و تجلب الخراب و الدمارلأهلها هكذا قال العقلاء من الرجال فالعقلاء و الحكماء دائما رجال.
مريم الرقيقة والخجولة مريم الناعمة التي عندما تخترق أشعة الشمس شعرها القمحي وتضيء وجهها الأبيض يخيل إليك انك تنظر إلى صفحة نهر عميق انعكست عليه أشعةشمس الأصيل.هاهي مريم تراقب بشغف هذا الغريب ذو الشاربين الخفيفين والحواجب الكثيفة، هاهي تسترق السمع لنبرات صوته المتزنة التي تهدأ أحيانالتترك المجال لرفرفة رموشه الطويلة المتشابكة ها هي تذوب لا تدري لماذالهاته البسمات القصيرة التي لا يشبع منها الناظر أبدا.
مريم نظرت إلى جسمها فرأت الأنوثة تتفنن في نحته ، و كلما بان هذا الرسم البديع كلما أصبح حنان أبوها خجولا اتجاهها.
كانت تتسلل إلى كوخ القش في غفلة من أمها و استهانة بحكمة العقلاء فتتطرق عالمه و حين يجذبها إلى الداخل كانتمريم تقطع كل اتصال بعالم العقل وتعيش في عالمه السحري أين تتحد الأجساد والمشاعر ، ذالك العالم الذي لا سلطة فيه لحكمة العقلاء و رزانة الكبار حتىإذا عادت إلى رشدها لم يبقى من الغريب فيها سوى حرارة جسده في أوصالها ومرارة التبغ في حلقها، لم تكن مريم تستطيع الصمود أمام هذا الكم منالأحاسيس المزلزلة ، لم تكن الجاذبية نحو هذا الغريب تترك لها مجالاللتفكير و لا للتريث كان سيلا جارفا من الشوق المؤلم و اللذيذ يدفعها دفعاإلى احتضانه غير خائفة و لا مترددة.
ماألذ ما كانت تحس به مريم نحو هذا الغريب لم يكن مثل أبوها و إخوتها لم يكنيصيبه الفزع حينما ينظر إلى نهديها الجريئين أو ردفيها المملوءين....آه... لو ظلت طفلة إلى الأبد حتى لا ترى الحنان من حولها يتلاشى ليصيررعبا قاتلا.
مرشهر و هي تتردد على هذا الغريب اللذيذ ، و مع مرور الأيام صارت مريم تذهبإليه في وضح النهار و ذات صباح فوجئت باختفائه ، بحثت عنه ولم تجده دخلتكوخه كان فارغا إلا من بعض التفاصيل أعقاب سجائر قديمة قفازان ممزقانمعلقان على الحائط و مشط يعلق فيه شعر اسود.
هلمن الممكن أن تعيش بدونه؟ لقد استولت صورته على كل ذرة في جسدها و لم يبقىمن مريم سوى زفير و شهيق سالت أخوها قال" لقد ذهب بعد أن أتم الأشغال التيكلفه بها أبوها"... ذهب قالت في سرها كيف يذهب؟ الم يكن يدرك انه كلحياتها لا ينبغي أن تكون هذه هي النهاية كيف أعيش؟ لقد نسيت العيش...بدونه فراغ قاتل اكتسح جسدها لكنها كانت متأكدة انه سيعود و سيعود البريقلأنوثتها و خفقان الشوق لقلبها.
انك حامل قالت أمها و هما يغادران عيادة الطبيب، ثمأردفت ماذا فغلت بنا يا مريم؟ سوف نموت معا كيف أخبر أباك ؟ لينني مت قبلأن أشهد هذا اليوم .كانت تنظر إلى أمها وهي تغرز أظافرها في وجهها فيسيلالدم و يلطخ لثامها الأبيض أمسكت بيد أمها محاولة منعها من فعل هذا لكن دون جدوى.
فتحالأب باب السيارة جلست الأم بجانبه أما مريم فانزوت في الخلف و مع أنهاكانت مضطربة و تائهة و لكنها لم تمنع خيالها من التحليق عاليا فوق هذهالمصيبة و التفكير في ذالك الرجل الغريب إنها مشتاقة إليه ، ليته ليعود وينظر إليها نظرة حب أو حتى إشفاق ليته يعود و فقط.
لازالت تسير خلف أخيها و الشمس قاربت على الشروق، كانت مشيته مضطربة و قدماهترتطمان من حين لأخر بهذه الصخور الكثيرة الناتئة باستحياء أحيانا وبوقاحة أحيانا أخرى ، من هاته الأرض الجبلية. إنها مشفقة عليه من هذهالمهمة الصعبة التي أوكلها له العقلاء من الرجال، كيف يقتلني يا ترى؟ لابد انه يدس خنجرا تحت ثيابه أو ربما مسدسا لكن متى يفعل هذا لقد تعبت منهذا الصعود الذي لا ينتهي و الأشواك أدمت ساقيها.
وقفأخوها ثم جلس على صخرة و عيناه في الأرض، كان يتحاشى النظر إليها ،جلستبجانبه ليتها تستطيع مسح العرق الغزير الذي تصبب من وجهه لكنها لو فعلتلربما أشفق عليها و هي لا تريد له ذالك.
آه يا حبيبي لا تفكر في ذكرياتنا معا و أنا أحملك على ظهري و أنا أخضب يداك بالحناء ليلة العيد، لم تكن أبدا تحب الحناء فبمجرد أن ننام كنت تسرع إلى الحمام للتخلص منها، لا تتذكر عندما كنت ترسب في الامتحان فتأتي باكيا إلى حضني و عندما يحاول أبانا تأديبك تختبئ ورائي فتصيبني عصا أبوك و لا تصيبك.
عذرا...صغيري لم أكن اعرف أن جسدي بعض من شرفك و مشاعري بعض من رجولتك. لم يتبادرإلى ذهني أن الغريب حينما كان ينتهك جسدي إنما كان يلوث قدسية ذكورتك.
كانالأخ جالسا عيناه في الأرض و يداه تتحركان من حين لآخر لطرد جحافل الذبابالتي تستقر على وجهه و عينيه ، نظر إلى ساقي أخته الداميتين ثم نهض واقفا. نهضت مريم لكنه سار نحوها و ضغط على كتفيها مشيرا لها بالجلوس سار بينالأشجار و هي تراقبه مشفقة على مشيته المضطربة اتكئ على غصن شجرة دار خلفهو نظر نحو أخته ثم اختفي عن عينيها نظرت حولهاتتأمل أشجار الصنوبر و البلوط والحشائش الكثيرة الراكعة عند سيقانها تذكرتعندما كانت تزور الجبل مع عائلتها كانت تجري في مقدمتهم ثم تبحث عن صخرةكبيرة تصعد فوقها و تنظر إليهم قادمين من الأسفل و كانت تضحك عاليا لمنظرهم الذي يشبه الأقزام.
انتظرتساعة و ساعتان و ثلاث و لم يعد الأخ، الشمس شمرت و استعدت للاختفاء وراءهذا الجبل ذو القرنين و هي لا زالت جالسة في مكانها. قامت وسارتفي خطاه متألمة من الخدر الذي سكن رجليها من طيلة الجلوس، مشت بين الأشجارو لأشواك حتى وصلت إلى منحدر عميق، اقتربت من الحافة و جسمها يرتعش نظرتإلى الأسفل وضعت يدها على فمها و ركعت على ركبتاها ،جثة أخيها القابعة بينالصخور بحثت عن ممر لتنزل إليه فلم تجد.
ماذا فعلت بي يا أخي؟ ماهكذا يغسل الشرف أيها الحبيب، ليس هذا ما قاله العقلاء من الرجال، وقفتبرهة تنظر إلى جثة أخيها ثم قالت بصوت مسموع "لتكن مشيئة العقلاء منالرجال" و قفزت إلى الأسفل
انــــــــــــتـــــــــــهــــــــــى.
(بقلمي)
