التغير المناخي قد يفاقم ازمة المياة
خلق الله ـ عز وجل ـ الأرض بل الكون أجمع وفطر عناصره ومكوناته على التغير والتحول، زيادة ونقصاناً
تارةووجوداً وعدماً تارة أخرى (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّشَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). والعناصر الجوية للغلاف
الجوي لكوكب الأرض محط تغير نسبي دائم عبر دورات زمنية قصيرة وأحياناً طويلة لأسباب داخلية أرضية
وأحياناً خارجية كونية ولله في خلقه شؤون.هل المناخ تغير فعلاً ؟
:. لم يكن التغير المناخي Climate change في العقود الأربعة الأخيرة نظرية أو فرضية فحسب، بل هو واقع
ملموس وأمر محسوس، فالسجلات المناخية العالمية المئوية حافلة بشواهد غنية وأدلة قطعية، على أن عناصر المناخ تغيرت
وأصبحت أكثر تطرفاً وعنفاً وعلى وجه الخصوص درجة حرارة سطح الأرض والمحيطات حيث ساهمت في الغالب
وبشكل سلبي على الإنسان والنظام البيئي على حد سواء. وما ذوبان الجليد القطبي والأنهار المتجمدة والذي أعقبه
ارتفاع مستوى سطح البحر إلا شواهد محسوسة وأدلة مقيوسة لمن كان عنده شك وارتياب. ولقد أثبتت الدراسات
العلمية المحكمة أن معدل درجة حرارة الأرض خلال القرن العشرين قد أصبح أكثر سخونة من أي قرن مضى، حيث
ارتفع معدل درجة الحرارة بمقدار 0.6 درجة مئوية ليأتي العقد الأخير (التسعينات) من القرن الماضي كأسخن عقد في
القرن العشرين، وتعتبر السنوات الاثنتى عشرة الأخيرة (من عام 1995-2006م) أكثر السنوات سخونة منذ
عام 1850م إذ ارتفع معدل الحرارة العالمي 0.74 درجة مئوية وارتفع منسوب سطح البحر بمعدل 3.1 ملم
سنوياً منذ عام 1993م، وأما القطب الشمالي فقد واصل تقلصه بمعدل يصل إلى 2.7% في العقد الواحد.
ومحلياً فقد أثبتت دراسة سابقة لي على وسط المملكة أن درجة الحرارة ارتفعت بمعدل 1.5درجة مئوية خلال
الثلاثين سنة الأخيرة من القرن الماضي.
*****
ما هي أسباب تغير المناخ ؟
:. على الرغم أن معظم علماء المناخ يتفقون على وجود ظاهرة التغير المناخي الحالي إلا أنه يظهر لغط وجدل حيال
سؤال جوهري: من الذي يقف خلف هذا التغير المناخي الحالي؟. ففي الوقت الذي يذهب فيه كثير من علماء
المناخ إلى أن المتهم في ذلك هو النشاط البشري Human activities في المقام الأول عبر انبعاثات غازات
الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي كثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان، في حين أن الأقلية منهم يبرئون الإنسان
من تلك التهمة مشيرين إلى أن عوامل طبيعية دورية تقف وراء تلك التغيراتأو التذبذبات المناخية.
*****
:. وفي ظل حدوث تغيرات مناخية دورية قديمة قبل استخلاف الإنسان في الأرض أحسب أنه من الصعوبة بمكان
إصدار الحكم الجازم في الوقت الراهن والقول أن أنشطة الإنسان تقف خلف تغير المناخ الحالي 100%، إذ أن تغير
المناخ مسألة طبيعية معقدة وشائكة تقف نتائج الدراسات المناخية لها بذلك شاهدة. وما زالت النماذج العددية
(Atmosphere-Ocean General Circulation Model)
ومعها سيناريوهات انبعاثات غازات الدفيئة (Greenhouse Gas emission scenarios)
تعطي نتائج متوافقة من جهة ارتفاع درجة حرارة الأرض، وفي الوقت نفسه متباينة بشكل واضح في نسبة الارتفاع
مما يدفعنا إلى التريث في توجيه التهمة للإنسان، كما أن استشراف مستقبل الأرض المناخي لمائة سنة قادمة عبر
عمليات رياضية معقدة مسألة صعبة في ظل وجود عدة عوامل تؤثر في المناخ.
*****هل هناك شواهد على تغير المناخ الحالي ؟
:. يرى كثير من العلماء أن النشاط البشري في المائة سنة الأخيرة قد أثر على المناخ وقاده إلى الاحترار العالمي
Global warming وقد أكد تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي ( IPCC) لعام 2001م
إلى أنه توجد دلائل وشواهد قوية على أن النشاط البشري يقف خلف ارتفاع درجة الحرارة. واعتماداً على آخر
السجلات المناخية خلال القرن العشرين فإن درجة الحرارة ما زالت في طور الصعود والارتفاع والتغير.
وأشار مكتب الأرصاد الجوية البريطاني ( Met Office) أن نتائج النماذج العددية التنبؤية ( GCMs) تشير إلى
أنه إذا استمرت معدلات انبعاث غازات الدفيئة بمستواها الحالي فإنه سيحدث تغيرات كبيرة وواسعة في المناخ.
وفي السياق نفسه تتوقع بعض الدراسات المعتمدة على العديد من سيناريوهات الانبعاثات الغازية والنماذج العددية
على أنه إذا استمر حرق الوقود الاحفوري بالكميات الحالية فإن نسبة ثاني أكسيد الكربون ستتضاعف في الغلاف
الجوي بحلول 2050م وهذا سيساهم بالضرورة بارتفاع درجة الحرارة بمعدل 1.4 درجة مئوية إلى 5. 8 درجة مئوية
بنهاية القرن الحالي والله أعلم.
*****
وهل الأمطار ستتأثر سلباً أو إيجاباً في ظل التغير المناخي ؟
:. فيما يتعلق بعنصر المطر فإن الاختلاف بل والتخبط ينتاب النماذج المناخية العددية وسيناريوهات الانبعاثات الغازية
بشكل أكبر وأوسع من عنصر الحرارة، وهناك الكثير من الدراسات المناخية التي أشارت إلى وجود الكثير من عدم الثقة
في مخرجات النماذج العددية المتعلقة بالتنبؤ بعنصر المطر لسنوات قادمة، كما أكدت الدراسات أن الاختلاف في التوقع
لعنصر المطر ليس فقط في الكمية بل وحتى في التوزيع المكاني والزماني، وثقة العلماء في النماذج العددية المتوقعة للتغير
في عنصر المطر ضعيفة، ومصادر عدم الثقة في النماذج يعود إلى أن عمليات استقراء مستقبل التغير في عنصر المطر
تعد ثانوية في هذه النماذج العددية ( G CMs)، أضف إلى ذلك أن عنصر المطر من الصعب تقديره وفقاً للتنبؤات
العددية خاصة في المناطق شبه المدارية حيث يتشكل المطر أحيناً وفق ظروف محلية ناتجة عن القوى الحملانية.
وعلى الرغم من ذلك كله فإننا نستأنس ببعض النتائج في هذا الاتجاه حيث دلت نتائج النموذج البريطاني HadCM3
حول الأمطار في الشرق الأوسط إلى توقع انخفاض في معدل سقوط المطر مما يساهم في المزيد من فترات الجفاف
والتصحر في المنطقة